مقتبس من نص البيان الصادر عن الظواهري بخصوص تنصل القاعدة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). تم نشر البيان في أوساط إسلامية موالية للقاعدة ( www.muslm.org)
خلفية عامة
1. في الثالث من كانون الثاني / يناير 2014نشرت أوساط إسلامية بيانا صادرا عن القيادة العامة لتنظيم القاعدة بقيادة الشيخ أيمن الظواهري. والبيان المؤرخ 22 كانون الثاني / يناير ينفي قيام أي علاقة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي يترأسه أبو بكر البغدادي(يسمى فيما يلي: الدولة الإسلامية)(hanenin.info; muslm.org). ويُعتبر بيان الظواهري بمثابة حسم قاطع لصالح جبهة النصرة في النزاع الذي دار خلال السنة المنصرمة بين هذا التنظيم وبين تنظيم الدولة الإسلامية برئاسة أبو بكر البغدادي.وقد يؤدي بيانه هذا بحسب تقديراتنا إلى تعزيز مكانة جبهة النصرة في مواجهة الدولة الإسلامية وتعميق الشق بينهما، حيث قد تواصل جبهة النصرة التحالف مع تنظيمات أخرى من الثوار ضد عدوتها. ومع ذلك، وبالرغم من الصراعات الداخلية على السلطة، فإن تقديراتنا تشير إلى أن التنظيمات الموالية للقاعدة والجهاد العالمي ستحافظ على مركز نفوذها في صفوف تنظيمات المتمردين في سوريا.
2. أبدت قيادات القاعدة بزعامة الظواهري الضعف وغياب السيطرة الفعالة على فروعها في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تعاطيها مع الصراعات الداخلية على مراكز القوة في العراق وسوريا خلال الفترة التي تلت موت أسامة بن لادن. وبالمقابل تحول الشرق الأوسط ومحوره سوريا إلى مركز القوة العالمي الجديد بالنسبة للقاعدة والجهاد العالمي، وذلك من خلال استغلال الفوضى التي خلفتها الحرب الأهلية في سوريا وتوظيف الشرخ السّني- الشيعي الآخذ بالاتساع وتقويض قوة السلطات الحاكمة في دول رئيسية في الشرق الأوسط على أثر الهزة التي يتعرض لها هذا الإقليم. وقد يشكل مركز القوة هذا تهديداً على العالم العربي/الإسلامي وعلى إسرائيل والغرب.
3. في سوريا التي تحولت إلى بؤرة الجهاد العالمي الجديدة، تكونت حالياً منظومة ثنائية الأقطاب من التنظيمات المتخاصمة التي تتبنى فكر القاعدة: تقع جبهة النصرة على القطب الأول في المنظومة ، وهي ذراع القاعدة الرسمية المتفوقة على منافستها بفضل قدراتها العسكرية واللوجستية والتي تحظى بمكانة أقوى في أوساط الثوار والسكان. وعلى القطب الآخر هناك الدولة الإسلامية التي لا تنصاع لتعليمات القاعدة وتعتمد في عملها على البنية التحتية التي أقامتها ذراع هذا التنظيم في العراق، "الساحة الخلفية" لسوريا. وبين هذين القطبين المتنافسين تنتشر تنظيمات ثوّار جهادية يصل تعداد نشطائها إلى عشرات الآلاف، حيث ينادي هؤلاء بفكر الجهاد العالمي ويبدون من حين لآخر استعدادهم للتعاون مع جبهة النصرة وأحياناً يتعاونون مع الدولة الإسلامية، غير أنهم يرفضون أن يُحسبوارسمياً على تنظيم القاعدة.
4. الانشقاق الداخلي في أوساط التنظيمات الموالية للقاعدة من شأنه التأثير على مراكز أخرى للجهاد العالمي في أنحاء الشرق الأوسط. مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس، وهو أبرز التنظيمات الإرهابية المحسوبة على الجهاد العالمي في قطاع غزة، اتخذ حالياً موقفاً من النزاع لصالح الدولة الإسلامية (من خلال دفعه ضريبة كلامية لأيمن الظواهري). ومن المتوقع أن تنضم كذلك تنظيمات أخرى من مختلف الدول الشرق أوسطية إلى هذا الفريق أو ذاك، في حين قد تفضل غيرها من التنظيمات التزام الحياد. إذن فمن الوارد أننا نشهد حاليا بداية عملية تتبلور من خلالها منظومة إقليمية جديدة لتنظيمي القاعدة والجهاد الإسلامي، بحيث تكون تلك منظومة أكثر تناثراً وتعقيداً بطبيعتها من المنظومة التي تميزت بها القاعدة في أفغانستان والباكستان في عهد أسامة بن لادن. |
بيان القاعدة بخصوص التنصل من الدولة الإسلامية في العراق والشام
5. جاء في البيان الصادر عن القيادة العامة لتنظيم القاعدة أن مجموعة قاعدة الجهاد (أي تنظيم القاعدة) تعلن أن ليس لها (أي) صلة بالدولة الإسلامية في العراق والشام، ولم تعلن عن تأسيسها ولا تقف على رأسها ولا تقدم لها المشورة ولا تسعى لتلبية رغباتها، بل وأمرت بوقف أنشطتها. وعليه، فإنها (الدولة الإسلامية) ليست ذراعاً لتنظيم القاعدة ولا تربطها به أي علاقة تنظيمية. كما وأنها (القيادة العامة لتنظيم القاعدة) ليست مسؤولة عن ممارساتها (الدولة الإسلامية)". ونوه البيان لاحقاً إلى أن القاعدة متمسكة بمبدأ وحدة الأمة الإسلامية بالمفهوم الذي نادى به أسامة بن لادن والامتناع عن الخلافات الضارة. كما ويشير البيان إلى أن لا دور للقيادة العامة للقاعدة في النزاعات الدائرة بين مختلف فصائل المجاهدين في سوريا وتدعو إلى وضع حد لتلك النزاعات وتعبر عن رغبتها في الإبقاء على علاقات طيبة مع كافة المجاهدين.
تعقيبات (أولية) على بيان الظواهري
6. تنظيم جبهة النصرة،ذراع القاعدة في سوريا، اختار حالياً عدم التعقيب على البيان. أماتنظيم الدولة الإسلامية, فقد قدم رداً شديد اللهجة تجاه القاعدة وتجاه جبهة النصرة ومجموعات ثورية أخرى: فقد تم نشر الرد في منتدى تنظيم الدولة الإسلامية في 4 شباط / فبراير 2014. وجاء في الرد أن "لا فضل ولا احد فوق الدولة الإسلامية" و "فليعمل الأخوة في قاعدة الجهاد على الجهاد العالمي ما يشاؤون". يهاجم البيان وبشدة قائد جبهة النصرة، حيث ورد فيه: "للأسف، فإن وجود الجندي المنشق والابن العاق لولي أمره البغدادي (قائد الدولة الإسلامية) سيكون من أسباب انهيار تنظيم القاعدة، لا سمح الله.." ويضيف البيان أن "دولتنا الإسلامية في العراق والشام تتمدد وتعمل مؤسسات الدولة الإسلامية وتطبق شرع الله".
بيان الدولة الإسلامية الذي يهاجم القاعدة وجبهة النصرة((alplatformmedia.com
7. مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس(يُسمى فيما يلي: مجلس الشورى)، وهو أبرز تنظيمات الجهاد العالمي في قطاع غزة، اتخذ موقفاً لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، دافعاً ضريبة كلامية لأيمن الظواهري ولمناداته (سابقاً) بوحدة التنظيمات الجهادية. |
8. في 2 شباط / فبراير 2014نشر مجلس الشورى بياناً مفصلاً ومشبعاً بالأفكار والمفردات الإسلامية الدينية والتاريخية. ويتضمن مستهل البيان شجبا واستنكارا للحرب الأهلية الدائرة في سوريا بين المجاهدين، والتي يعود أصلها إلى "عدم إنصاف الدولة الإسلامية وأميرها أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي". وبحسب ما ورد في البيان فإن المسلمين ملزمون بنصرة رجال الدولة الإسلامية وتثبيت أركانها، لكن "قوماً" انهمكوا في اقتتال بين الأخوة وتنصلوا من المجاهدين.
9. يعبر البيان في تتمته عن تأييد ما نادى به "شيخنا وحكيم أمتنا، الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله من وجوب اجتماع المجاهدين في الشام في دولة إسلامية يتفقون عليها فيما بينهم، فالجهاد يحتاج إلى ولي أمر".لكن البيان لم يتطرق إلى البيان الأخير الذي أصدره الظواهري، والذي تنصل فيه من تنظيم الدولة الإسلامية وتجنب ذكر جبهة النصرة.ثم يعود البيان ويعرب مرة أخرى عن تأييده للدولة الإسلامية: "… والتنبيه أن معركة العراق والشام واحدة وأن أمراء دولة الإسلام في العراق والشام قد ثبت صدقهم وقدرتهم على إدارة معارك الأمة..". ثم ينادي البيان مرة أخرى مقاتلي الجهاد للتوصل إلى إجماع على ولي أمر واحد يقودهم بكتاب الله وبسنة رسوله ويُمكّن الإسلام " ويكسر الله به شوكة الكفار الطغام"bentaymia.tumblr.com)).
مقطع من بيان مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس الموالين للدولة الإسلاميةbentaymia.tumblr.com))
خلفية صدور بيان الظواهري
10. يشكل بيان أيمن الظواهريحسماً قاطعاً لصالح جبهة النصرةفي الصراع الدائر خلال السنة المنصرمة على مراكز القوة في العراق وسوريا بين فروع القاعدة. وقد انجرت قيادة القاعدة برئاسة أيمن الظواهري إلى دائرة هذا الصراع، غير أن محاولاتها لتسوية النزاع أو تهدئته على الأقل لم تؤد سوى إلى تصعيده. فيما يلي بعض معالم هذه الصراعات:
أ. تأسس تنظيم جبهة النصرة في سوريا في كانون الثاني / يناير 2012 بواسطة فرع القاعدة في العراق، والذي أشرف عليه في بداية طريقه. كان "الأمير" السوري أبو محمد الجولاني يتلقى التعليمات في البداية من "أمير" القاعدة في سوريا، أبو بكر البغدادي الذي كان يسيطر على فرعين للقاعدة في سوريا والعراق. ولإضفاء الصفة الرسمية على رئاسته وسيطرته، أعلن أبو بكر البغدادي في 9 نيسان / ابريل 2013 عن توحيد المنظمتين في العراق وسوريا تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
ب. أما أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، فقد رفض وضع تنظيمه تحت إمرة قائد الدولة الإسلامية. وفي اليوم التالي من بيان البغدادي (10 نيسان / أبريل 2013) سارع لمبايعة أيمن الظواهري، زعيم القاعدة.بدوره، انحاز أيمن الظواهر الذي تم إقحامه في دائرة الصراع على مراكز القوة بين التنظيمين، إلى أحد الفرقاء حين أعلن في 10 حزيران / يونيو 2013 عن إلغاء توحيد جبهة النصرة مع فرع القاعدة في العراق. وفي رسالة بعث بها إلى نشطاء جبهة النصرة قال إن البغدادي قد أخطأ حين أعلن عن التوحيد دون أخذ إذن من قيادة القاعدة، لكنه دعا الذراعين للتعاون فيما بينهما.
ت. انحياز أيمن الظواهري في الخلاف لم يؤد إلى تسوية النزاع بين التنظيين، بل على العكس، فمن مراجعتنا للوضع السابق نجد أنه قد أجج هذا الصراع. فخلال نصف السنة الذي انقضى منذ صدور بيان الظواهري تصاعدت الخصومة بين التنظيمين، بل وامتدت من حين لآخر إلى مواجهات عنيفة بينهما. وفي الواقع تشكل في سوريا تنظيمان متنافسان مواليان لفكر القاعدة، يعمل كل منهما بأساليب تميزه عن غريمه. ففي حين عملت جبهة النصرة بطريقة براغماتية من خلال تعاملها مع السكان ومن خلال تعاونها مع تنظيمات أخرى للمتمردين، فقد اتبعت الدولة الإسلامية أساليب عمل عقائدية متشددة أدت إلى نشوء توتر بينها وبين السكان السوريين وبينها وبين تنظيمات المتمردينالأخرى التي خاضت مواجهات عنيفة ضدها.
ث. وكانت هناك محاولة أخرى لرأب الصدع قام بها أيمن الظواهري في 11 تشرين أول / أكتوبر 2013، حين وجه من خلال مواقع إسلامية نداءً للقوات الإسلامية العاملة في سوريا يناشدها التوحد لكي تقوم فيها دولة "مجاهدة" تمهد الطريق لعودة الخلافة الإسلامية و"تحرير القدس". وهذا النداء أيضاً لم يلق آذانا صاغية: حيث اتسعت رقعة الشرخ بين التنظيمين وازدادت حدة التوتر المصحوب بمواجهات عنيفة واضطر الظواهري إلى اتخاذ موقف أحادي الجانب مستخدماً في تبريره خطاباً أكثر تشدداً وقسوة تجاه تنظيم الدولة الإسلامية.