استخدام الإرهابيين الانتحاريين في سوريا ولبنان
1. يمثل استخدام الإرهابيين الانتحاريين ضد النظام السوري وضد حزب الله نمطا من العمل مستعارا من اعتداءات القاعدة الإرهابية في العراق ومن ساحات مواجهة إسلامية أخرى. وقد بات هذا النمط من العمل خلال الحرب الأهلية في سوريا سمة مميزة للعمليات الإرهابية المحسوبة على تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (يشار إليها فيما يلي ب"داعش")، والمحسوبتين بدورهما على القاعدة والجهاد العالمي. وقد ألحقت العمليات الانتحارية التي قاما بتنفيذها على نطاق واسع خلال عامي 2012-2013 خسائر وأضرارا بالنظام السوري، كما أضرت بمميزات حَوْكَمَته وسيادته، رافعة من شأن التنظيمين المنفذين. وقد قاما بنقل نمط العمليات الانتحارية إلى لبنان في بداية 2014، لتصبح نمط العمل الأساسي في صراعهما مع حزب الله والطائفة الشيعية في لبنان.
2. تعتبر جبهة النصرة، وهي فرع القاعدة في سوريا، أكبر تنظيم للمتمردين من حيث عدد العمليات الانتحارية التي نفذتها في سوريا منذ نشوب الحرب الأهلية. فقد تبنى التنظيم منذ إعلان تأسيسه في كانون الثاني / يناير 2012 حتى نهاية كانون الأول / ديسمبر 2012 43 من أصل 50 عملية انتحارية تم تنفيذها بحق نظام الأسد (LongwarJourmal.org). أما خلال سنة 2013، فقد نفذت جبهة النصرة 34 عملية انتحارية، فيما قامت داعش، وهي فرع القاعدة في العراقبتنفيذ تسع عمليات انتحارية أخرى، علما بأنها بدأت العمل في أواخر أيار / مايو 2013. ويبلغ مجموع العمليات الانتحارية التي نفذها التنظيمان خلال عام 2013 43 عملية انتحارية (وهو عدد مشابه لعدد العمليات التي نفذتها جبهة النصرة خلال سنة 2012). وقد شارك في العمليات المذكورة نحو 53 انتحاريا. ويمثل هذا العدد من العمليات الانتحارية نحو 15% من مجموع العمليات الانتحارية التي تم تنفيذها في أنحاء العالم سنة 2013[1]. وقد "تسرب" هذا النمط من العمليات إلى لبنان، حيث تم في لبنان تنفيذ 5 عمليات انتحارية منذ مطلع سنة 2014، وقامت بتنفيذ أربع منها جبهة النصرة، فيما نفذت داعش عملية واحدة.
3. وفي العمليات الانتحارية التي تم تنفيذها في سوريا فجر الإرهابيون الانتحاريون أنفسهم عند أهداف محسوبة على النظام السوري بواسطة الأحزمة الناسفة. وفي بعض الحالات استخدموا السيارات والشاحنات المحملة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة، سعيا لرفع عدد المصابين وزيادة الدمار شدة. وتضمنت بعض العمليات الانتحارية تفجير سيارتين أو ثلاث إن كان في آن واحد وإن كان بالتتالي. وفي عدد من العمليات الانتحارية يمكن بتقديرنا ملاحظة مستوى عال من التطور والاحتراف، حيث نفذت ست عمليات انتحارية في آن معا وفي موقعين مختلفين متجاورين. وفي عمليات أخرى تم استخدام عدد من الانتحاريين ضد هدف "نوعي" واحد. وكان معظم الإرهابيين الانتحاريين من المتطوعين الأجانب، ومن العالم العربي أساسا (وقد برز منهم الانتحاريون المنحدرون من أصل سعودي).
4. إن "تخصص" التنظيمات المحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي في العمليات الانتحارية ينطوي بتقديرنا على مخاطر تتجاوز الساحة السورية. وقد أمكن حديثا ملاحظة تجليات ذلك من خلال "تسرب" العمليات الانتحارية من سوريا إلى الساحة اللبنانية، والتي تنال من حزب الله وتزعزع الاستقرار الداخلي في لبنان. وتفيد تقديراتنا بأنه كلما تواصلت الحرب الأهلية، كلما زادت فرص "تسرب" العمليات الانتحارية إلى المزيد من الدول، لكون العناصر الجهادية الأجنبية العاملة في سوريا، وعند عودتهم إلى دولهم الأم، قد يبادرون إلى تخطيط العمليات الانتحارية، بل ينفذونها فعلا، مستفيدين من الخبرة العملية الكبيرة التي اكتسبوها في سوريا والعلاقات التي تكونت بينهم وبين عناصر القاعدة والجهاد العالمي. كما أننا نعتقد بأن التنظيمات العاملة في سوريا والمحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي من شأنها المبادرة إلى انتداب الإرهابيين الانتحاريين لتنفيذ المهام الإرهابية بحق الدول الغربية ودولة إسرائيل، بل أيضا ضد بعض الدول العربية والإسلامية (مع كون أولوياتهم الحالية تركز على أسقاط نظام الأسد).
ملاحظات منهجية
5. تم في نطاق هذه الدراسة تحليل 43 عملية إرهابية انتحارية في سوريا قام بتنفيذها خلال عام 2013 تنظيم جبهة النصرة (34 عملية) وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) (9 عمليات انتحارية). ويعتمد التحليل أساسا على بيانات تبني المسؤولية الصادرة عن التنظيمات حول هذه العمليات، والتي تتناسب بتقديرنا تقريبا مع عدد العمليات الانتحارية التي تم تنفيذها فعلا. وعلى هذه العمليات يمكن زيادة عمليات انتحارية تم إجهاضها أو أصابها التعطيل، والتي لا نعلم شيئا عنها. كما أن الدراسة الحالية لا تتضمن العمليات الانتحارية التي قامت بتنفيذها تنظيمات أخرى للمتمردين والجهاديين، ولكنها تشكل نسبة صغيرة من مجموعة العمليات الانتحارية. كما جرى تحليل خمس عمليات انتحارية في لبنان، من تنفيذ جبهة النصرة وداعش منذ مطلع كانون الثاني / يناير حتى مطلع شباط / فبراير 2014.
6. تضم العمليات الانتحارية في سوريا والتي تناولتها هذه الدراسة كذلك ست عمليات مركبة تم في نطاق كل منها تنفيذ عمليتين انتحاريتين بالتزامن وضد هدفين متجاورين، علما بأننا نعتبر كلا من هذه العمليات عمليتين انتحاريتين، في الوقت الذي ننظر فيه إلى العملية الانتحارية المركبة المنفذة ضد هدف واحد وشارك فيها عدد من الانتحاريين، على أنها عملية انتحارية واحدة.
7. يستند تحليل العمليات الانتحارية أساسا على المواقع الإلكترونية للتنظيمات الإرهابية، وخصوصا على بيانات تبني المسؤولية وشرائط الفيديو التي نشرتها جبهة النصرة وداعش، علما بأنه تم مقارنة هذه البيانات بمعلومات أخرى مستقاة من الإعلام العربي والغربي حول الحرب الأهلية في سوريا والأحداث الواقعة في لبنان.
نتائج تحليل العمليات الانتحارية في سوريا في عام 2013
8. فيما يلي أهم نتائج تحليل العمليات الانتحارية في سوريا في عام 2013:
أ. أهداف العمليات الانتحارية: استهدفت العمليات الانتحارية في معظمها المنشآت والقواعد والأشخاص المنتسبين لقوات الأمن السورية وأجهزة الحكم السوري. وقد برزت في هذا الإطار عمليات انتحارية استهدفت الحواجز ومقرات القيادة ومعسكرات الجيش السوري والأجهزة الأمنية والمخابرات المحسوبة على النظام. كما تم مهاجمة مؤسسات الحكم من مراكز شرطة وسجون ومصانع للأسلحة ومنازل لأفراد قوات الأمن السورية. ورغم كون العمليات الانتحارية موجهة ضد أهداف حكومية وأمنية، إلا أنها ألحقت غير مرة خسائر فادحة بالمدنيين الذين صادف وجودهم بجوار الأهداف التي تعرضت للعملية. كما تم أحيانا مهاجمة أهداف مدنية، كان يتواجد بداخلها أفراد قوات الأمن السورية. وقد أساءت الخسائر المدنية إلى صورة الجهات الفاعلة، ولا سيما تنظيم جبهة النصرة الذي يبذل جهودا لكسب دعم السكان السوريين (بينما داعش أقل اهتماما بكثير بهذا الأمر).
ب. أسلوب تنفيذ العمليات: قام بتنفيذ معظم العمليات الانتحارية انتحاري وحيد فجر نفسه بواسطة حزام ناسف أو قام بتفجير سيارة كان يسوقها. وفي عدد من الحالات تم تنفيذ عمليات مركبة بواسطة ثلاثة أو أربعة وحتى خمسة انتحاريين في موقع واحد أو عدد من المواقع المتجاورة وبالتزامن، علما بأن العمليات الانتحارية الأكثر تعقيدا تم تنفيذها من قبل جبهة النصرة التي تملك قدرات عملياتية أكبر.
ج. هدف العملية: يمكن ملاحظة مسارين أساسيين في تنفيذ العمليات الانتحارية، يتضمن أولهما عملية انتحارية تمهيدية، تمثل المرحلة الأولى الممهدة لمهاجمة موقع أو حاجز أو معسكر أو منشأة محسوبة على النظام السوري. أما المسار الثاني فيتضمن عملية قتل جماعي، على شكل عملية انتحارية هدفها إلحاق أكبر عدد من الخسائر في الأرواح والأضرار في الممتلكات دون الاستيلاء على الموقع المستهدف.
د. المناطق التي تم فيها تنفيذ العمليات الانتحارية: تم تنفيذ نحو ثلث العمليات الانتحارية في دمشق وغوطة دمشق، وذلك بتقديرنا بغية "إيلام" النظام وفضح ضعف مراكز حكمه ونيل أكبر قدر ممكن من الاهتمام الإعلامي. أما الثلثان المتبقيان من العمليات الانتحارية فقد تم تنفيذهما في مختلف بؤر القتال لجبهة النصرة وداعش في شمال سوريا وشرقها، أي حلب والحسكة وإدلب وحماة وحمص ودير الزور. وقد تم تنفيذ عملية انتحارية يتيمة في هضبة الجولان، وأخرى في منطقة درعا. وبتقديرنا أن قلة العمليات الانتحارية في هضبة الجولان ومنطقة درعا تجسد الضعف النسبي للتنظيمات المحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي في هاتين المنطقتين (في المرحلة الراهنة على الأقل)، مع أن العمليتين اللتين تم تنفيذهما كانتا مركبتين و"موجعتين" للنظام.
ه. التقارب الزمني بين العمليات: لقد تمكنت جبهة النصرة وداعش من الحفاظ على توالي العمليات الانتحارية خلال جميع شهور سنة 2013، حيث شهد معظم أشهر السنة ما معدله نحو عمليتين انتحاريتين في الشهر الواحد، مع ارتفاع وتيرة العمليات في أشهر كانون الثاني / يناير وحزيران / يونيو وآب / أغسطس وأيلول / سبتمبر لتبلغ ما بين 4 و 5 عمليات في كل منها. أما شهر شباط / فبراير فقد شهد ما لا يقل عن 10 عمليات انتحارية. وبتقديرنا، أن هذا التوالي للعمليات الانتحارية والتي كان من بينها عمليات مركبة يدل على قدرات عملياتية عالية للتنظيمات التي نفذتها وعلى وجود كادر كبير من العناصر من ذوي الهمة العالية والاستعداد للتضحية بأرواحهم في إطار الجهاد الدائر في سوريا.
و. التعاون مع تنظيمات أخرى – نفذت معظم العمليات جبهة النصرة أو داعش بدون تنسيق مع غيرهما من تنظيمات المتمردين. وتم تنفيذ عدد من العمليات بتنسيق بينهما وبين أطر عسكرية أخرى لتنظيمات المتمردين، يحمل بعضها أو كلها الطابع الإسلامي الجهادي. ولم يصادفنا إلا في حالة واحدة تنسيق تم بين جبهة النصرة وبين داعش.
ز. مضمون الوصايا التي نشرت بعد العمليات الانتحارية: في بعض الحالات نشرت أشرطة فيديو تضمنت وصايا الانتحاريين. ويدل تحليل الرسائل التي تضمنتها الوصايا على رغبة جبهة النصرة وداعش في التشديد على الطابع الطائفي للصراع الدائر بين السنة والعلويين. وتركز الوصايا علىمواصلة مسيرة الجهاد ضد "الكفار" باعتباره فرض عين على كل مسلم (وهو أمر مستوحى من عقيدة عبد الله عزام، الأب الروحي لأسامة بن لادن). هذه الوصايا يتم توزيعها في العالمين العربي والإسلامي وفي الدول الغربية، وخصوصا عبر المواقع الإلكترونية والمنتديات الجهادية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المضامين والرسائل الجهادية الواردة في الوصايا يتم نقلها إلى الدول الأم بواسطة المتطوعين الأجانب العائدين من ساحات القتال في سوريا.
نصيب المتطوعين الأجانب من العمليات الانتحارية
9. لقد قمنا في معرض دراسة العمليات الانتحارية في سوريا والمنفذة من قبل جبهة النصرة وداعش بإحصاء 53 إرهابيا انتحاريا. وقد شارك في معظم العمليات الانتحارية إرهابي انتحاري واحد، ولكن نفذت بعض العمليات الانتحارية التي شارك فيها 3، 4، وحتى 5 انتحاريين.
10. ومن بين ال 53 انتحاريا تعرفنا على أسماء ثلاثين، من بينهم 23 أجنبيا وسبعة سوريين (ولم نتعرف على أسماء باقي الإرهابيين الانتحاريين). وقد تم التعرف على الدول الأم للانتحاريين بواسطة الأسماء الملقبين بها، والتي تدل عادة، ولكن ليس بالضرورة، على أصولهم. وقد قمنا بمقارنة هذه الألقاب بمعلومات إضافية حول الانتحاريين، ما أسعفنا في معظم الحالات في تأكيد دولهم الأم.
11. ومن بين ال 23 انتحاريا أجنبيا يبرز 13 سعوديا (أي ما يتجاوز النصف)، علما بأن 11 منهم قد تم التأكد من كونهم سعوديين، فيما تم التعرف على اثنين آخرين استنادا إلى الاسمين الملقبين بهما واللذين يربطانهما بالعربية السعودية. ومن بين الانتحاريين أربعة انتحاريين أردنيين (والذين تم التعرف عليهم بشكل مؤكد)، ثلاثة عراقيين (اثنان منهم كرديان، وقد تم التعرف عليهما استنادا إلى لقبيهما)، وتونسي واحد (تم التعرف عليه من خلال لقبه)، أسترالي واحد (تم التعرف عليه بواسطة لقبه)، وإرهابي آخر أجنبي لم يعرف بلده الأم. كما شارك في إحدى العمليات الانتحارية إرهابي من أصل كندي، ولكن لم تتأكد هويته وظروف مقتله.
12. تعود الكثرة النسبية للمتطوعين الأجانب بين الانتحاريين أولا وقبل كل شيء إلى كثرة عددهم في صفوف جبهة النصرة وداعش، وقد تدل بتقديرنا أيضا على شدة همتهم الجهادية والتي تحسن استغلالها التنظيمات المحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي. هذه الهمة العالية الناتجة عن العقيدة الجهادية التي قادتهم إلى التوجه إلى سوريا يتم تعزيزها خلال وجودهم في سوريا، وذلك عبر التلقين الديني الذي يدعم عملية تعزيز حماستهم الأيديولوجية وإعداد عدد كبير من الانتحاريين. ومع ذلك يمكن الافتراض بأن بعض الأجانب الذين عرض عليهم القيام بعمليات انتحارية رفضوا ذلك، وإن كانت التنظيمات تتجنب نشر المعلومات المتعلقة بهذا الأمر (إذ إننا نعرف، على سبيل المثال، أن أحد المواطنين العرب الإسرائيليين الذي التحق بصفوف المتمردين قد عرض عليه القيام بعملية انتحارية ولكنه رفض العرض، وبتقديرنا أنها ليست الحالة الوحيدة من هذا القبيل).
كثرة الإرهابيين الانتحاريين من أصل سعودي
13. ينحدر ما يزيد عن نصف عدد الإرهابيين الانتحاريين الذين تعرفنا عليهم من أصل سعودي (13 من أصل 23). كما يلاحظ العدد الكبير للمتطوعين الأجانب الآتين من السعودية والمنضمين لجبهة النصرة وداعش (وهو ما يقف وراء كثرة السعوديين الذين لاقوا حتفهم في سوريا). إلا أن كثرة السعوديين بين المتطوعين الأجانب وبين الانتحاريين ليست بالأمر المفاجئ، فالعربية السعودية، وهي الداعمة الرئيسية للتمرد على نظام الأسد، معروفة تاريخيا بكونها "الحاضنة" الأساسية التي أنبتت القاعدة والجهاد العالمي، وذلك على الرغم من الجهود التي يبذلها النظام السعودي للتنصل من ذلك (كان معظم الإرهابيين الذين شاركوا في أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 من أصل سعودي).
14. وفي المقابل نجد في السعودية انتقادات حقيقية لالتحاق الشباب السعوديين بصفوف التنظيمات المحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي، وإن كانت هذه الانتقادات لم تترجم حتى الآن إلى تدابير فاعلة لاحتواء هذه الظاهرة. ويمكن إيجاد تعبير عن ذلك ضمن مقال نشرته صحيفة الوطن السعودية اليومية في 27 كانون الثاني / يناير 2014، يمثل ردا على الاتهامات التي وجهت في الإعلام العربي إلى دعاة سعوديين بأنهم يشجعون الشباب السعوديين على التوجه للقتال في سوريا.
وقد أعرب صاحب المقال عن يقينه بأن ثمة من الدعاة السعوديين من يوجهون، مستندين إلى الشريعة، الشباب السعودي بالذهاب إلى سوريا، بل ويحثونه على التزود بالمتفجرات والتضحية بحياتهم سدى. ويعرب عن أسفه لكون الشباب السعودي يتم استغلاله كوقود للحرب الأهلية الدائرة في سوريا، فهؤلاء الشباب، وإن كانوا قد توجهوا إلى سوريا لأداء فريضة، إلا أنهم يفتقرون إلى الخبرة والتجربة والوعي السياسي، فقد أسيء استغلال مشاعرهم من أناس أبرياء لم يكونوا يعرفون أن الشباب السعودي لن يكون سوى أداة طيعة في أيدي جهات مغرضة، بل وفي أيدي أجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية.
"حزب الله مستهدف": "تسرب" العمليات الانتحارية من سوريا إلى لبنان
عام
15. منذ مطلع عام 2014 أصبحت بيانات تبني مسؤولية عمليات انتحارية تم تنفيذها في لبنان تصدر عن داعش وجبهة النصرة، علما بأن هذه العمليات قام بتنفيذها إرهابيون انتحاريون عبر تفجير السيارات المفخخة، وهو نمط من العمل مألوف جدا على الساحة السورية. ومنذ 2 كانون الثاني / يناير حتى 4 شباط / فبراير 2014 نفذت في لبنان خمس عمليات انتحارية تبنت مسؤولية أربع منها جبهة النصرة والخامسة تبنت مسؤوليتها داعش. وكانت مواقع تنفيذ هذه العمليات في الضاحية الجنوبية الشيعية من بيروت وبلدة الهرمل الشيعية شمالي البقاع. ونفذت معظم هذه العمليات بواسطة انتحاري واحد ومن خلال تفجير سيارة مفخخة.
وصف للعمليات الانتحارية
16. في 2 كانون الثاني / يناير 2014 تم تفجير السيارة المفخخة في الضاحية الجنوبية من بيروت ضد حزب الله من قبل انتحاري. وقد جرى تفجير السيارة في محيط عدد من المؤسسات المركزية لحزب الله. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هذه العملية (حيث نشر بيان تبني المسؤولية في حساب التنظيم على التويتر والذي تم إغلاقه بعد ذلك). وقتل في العملية أربعة أشخاص، فيما جرح ما يزيد عن 66 آخرين. وأفاد الإعلام العربي بأن الانتحاري كان قتيبة محمد الصاطم، وهو طالب بلغ ال 20 من عمره، ومن مواليد بلدة وادي خالد الواقعة على الحدود السورية اللبنانية. وذكر كذلك أنه كان قد شارك في القتال بسوريا في صفوف جبهة النصرة (القدس العربي، 4 كانون الثاني / يناير 2014).
موقع العملية الانتحارية التي استهدفت مؤسسات حزب الله في بيروت، والتي تبنى مسؤوليتها تنظيم داعش (2 كانون الثاني / يناير 2014)
مقطع من نص إعلان داعش مسؤوليته عن العملية الانتحارية الواقعة في 2 كانون الثاني / يناير 2014. وجاء ضمن النص أن التنظيم استهدف "حزب الشيطان" في عقر داره بالضاحية الجنوبية لبيروت. ومما تضمنه البيان أيضا أن العملية هي بمثابة دفعة أولى صغيرة من "الحساب الثقيل الذي ينتظر هؤلاء الفجرة المجرمين" ((daawla.tumblr.com
17. وتم تنفيذ عملية انتحارية أخرى في 16 كانون الثاني / يناير 2014 في بلدة الهرمل الشيعية شمال البقاع. وذكرت وسائل الإعلام اللبنانية أن التفجير قام بتنفيذه إرهابي كان يرتدي حزاما ناسفا ويستقل سيارة مفخخة. وقتل في العملية نحو أربعة أشخاص وجرح 38، وأفاد الإعلام اللبناني بأن السيارة انفجرت على مقربة من سرايا الهرمل ومجمّع تجاري مزدحم (وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية حدث الانفجار في 16 كانون الثاني / يناير قرب أحد معاقل حزب الله في الهرمل). وتبنى تنظيم جبهة النصرة في لبان مسؤولية العملية. وجاء في إعلان المسؤولية أن العملية استهدفت معقل "حزب إيران" (أي حزب الله) وقام بتنفيذها أحد "أسود جبهة النصرة في لبنان"، وذلك ردا على "الجرائم" التي يرتكبها حزب الله في سوريا بحق النساء والأطفال من السنّة (Jihadology, 16 كانون الثاني / يناير 2014).
نص إعلان مسؤولية جبهة النصرة في لبنان عن عملية الهرمل ((dawaalhaq.com.
18. في 21 كانون الثاني / يناير 2014 تم تنفيذ عملية انتحارية في حارة حريك الشيعية ضمن الضاحية الجنوبية من بيروت. وتبنى تنظيم جبهة النصرة في لبنان مسؤولية العملية عبر حسابه على التويتر. وجاء في إعلان المسؤولية أنها تمت ردا على مجازر حزب الله (والذي أسماه البيان "حزب إيران") بحق أطفال سوريا وأطفال عرسال[2](وهي بلدة سنية في شمال البقاع تعتبر معقلا لمعارضي حزب الله). وأفادت وسائل الإعلام اللبنانية أنها كانت عملية انتحارية قام بها انتحاري بواسطة سيارة مفخخة. وجاء في تقرير لصحيفة الحياة في 22 كانون الثاني / يناير 2014، أن السيارة كانت تحمل ثلاث قذائف هاون عيار 120 مم موصولة بعشرين كغم من المواد المتفجرة. وتحدث الإعلام اللبناني عن خمسة قتلى وحوالي 74 جريحا.
19. في 1 شباط فبراير 2014 تم تنفيذ عملية انتحارية قرب محطة للوقود في الشارع الرئيسي لبلدة هرمل الشيعية شمال البقاع. وقام بتنفيذ العملية إرهابي قتل داخل سيارة مفخخة. وذكرت وسائل الإعلام اللبنانية أن 5 أشخاص قتلوا في العملية فيما جرح نحو 20 شخصا. وأعلنت جبهة النصرة في لبنان مسؤوليتها عن العملية وذلك على حساب التويتر التابع لها. وجاء في إعلان المسؤولية أن العملية تم تنفيذها في وكر ل"حزب إيران" (أي حزب الله)، إزاء استمرار (حزب الله) في ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري.
محطة الوقود في الهرمل التي نفذت فيها العملية (aleqt.com)
20. في 3 شباط / فبراير 2014 فجر انتحاري نفسه على طريق يمر عبر حي الشويفات الدرزي المجاور لضاحية بيروت الجنوبية. وقتل خلال العملية شخصان وجرح عدة آخرين. وتضمنت معلومات أولية في الإعلام اللبناني كون الفاعل قد حمل حزاما ناسفا بوزن خمسة كغم وكان في طريقه داخل ميكروباص متوجه إلى الضاحية الجنوبية من بيروت. وقالت "مصادر أمنية" إن خللا فنيا أدى إلى تفجير الإرهابي، فيما ذهبت مصادر أخرى إلى أنه فجر نفسه عمدا بعد أن شك فيه سائق الميكروباص أو بعض الركاب (الجمهورية، 4 شباط / فبراير 2014).
21. وبالإضافة إلى هذه العمليات الانتحارية الخمس التي تبنت مسؤوليتها جبهة النصرة وداعش، يجدر الإشارة إلى عملية انتحارية مركبة متعددة الإصابات تم تنفيذها في مدخل السفارة الإيرانية ببيروت في 19 تشرين الثاني / نوفمبر 2013. وقد أعلنت مسؤوليتها عن هذه العمية كتائب عبد الله عزام، وهو تنظيم إرهابي محسوب على الجهاد العالمي ويعمل في لبنان[3].ويذكّر أسلوب تنفيذ هذه العملية من قبل انتحاريين اثنين عملا بالتتالي، بطريقة تنفيذ العمليات الانتحارية المركبة التي نفذت في سوريا خلال عام 2013 من قبل جبهة النصرة، ما يشير إلى احتمال نقل القدرات العملياتية من سوريا إلى لبنان.
رد فعل حزب الله
22. بدوره كرر حزب الله اتهامه للتنظيمات العاملة في سوريا، والمحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي (وهي التنظيمات التي يصفها بالتكفيرية)، بأنها تشن حملة من العمليات الإرهابية في لبنان. واتهم حسن نصر الله، زعيم حزب الله، هذه التنظيمات بتهريب السيارات المفخخة إلى لبنان من جبال القلمون عبر بلدة عرسال الواقعة شمال البقاع. وقد استخدم نصر الله في خطاب له هذا الاتهام مبررا أمنيا أساسيا لتعميق المساهمة المكثفة لحزب الله في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا [4].وعلى الأرض اتخذ حزب الله سلسلة من التدابير الأمنية، من بينها وضع أكياس الرمل أمام المحلات التجارية (انظر الصورتين) وذلك في معاقله داخل الضاحية الجنوبية من بيروت أساسا. ولكن يبدو في هذه المرحلة أن هذه الإجراءات لا تشكل ردا مناسبا على تهديد الإرهاب الذي باتت تمثله القاعدة والجهاد العالمي بالنسبة لحزب الله.
الخلاصة
23. استهدفت موجة العمليات الإرهابية في لبنان بتقديرنا أولا وقبل كل شيء النيل من مشاركة حزب الله العسكرية في القتال الدائر بسوريا من خلال إشغاله في الساحة اللبنانية. ونعتقد بأن "تسرب" العمليات الانتحارية من سوريا إلى لبنان قد يكون دليلا على أن جبهة النصرة وداعش وغيرهما من التنظيمات المحسوبة على الجهاد العالمي قد تمكنت من تحسين قدراتها العملياتية في لبنان ووضع تحد هام أمام حزب الله، يلاقي في هذه المرحلة صعوبة في الرد عليه. فضلا عن ذلك، فإن القدرات الإرهابية للقاعدة والجهاد العالمي والتي تظهر في الوقت الحاضر في سوريا ولبنان من شأنها بتقديرنا "التسرب" مستقبلا إلى دولة عربية أخرى وإلى إسرائيل، بل وكذلك إلى الساحة الفلسطينية[5]. |
* استكمال للدراسة المؤرخة في 23 أيلول / سبتمبر بعنوان: "جبهة النصرة: تنظيم جهادي سلفي ينتمي للقاعدة يؤدي دورا هاما بين منظمات المتمردين في سوريا. التنظيم يسعى للإطاحة بنظام الأسد وإنشاء خلافة إسلامية في الشأم لتتحول إلى مركز إقليمي ودولي للإرهاب والتآمر".
[1] انظر مقال يوتام روزنر، عينات يوغيف ويورام شفايتسر A report on Suicide Bombings in 2013الصادر عن معهد INSSوالمنشور بالإنجليزية على الرابط التالي: http://www.inss.org.il/index.aspx?id=4538&articleid=6408والذي توصل إلى أنه خلال العام 2013 تم تنفيذ نحو 291 عملية انتحارية في 18 دولة، أودت بحياة 3100 شخص، علما بأن حوالي 50% من هذه العمليات، وتحديدا 48 عملية انتحارية قد تم تنفيذها في الشرق الأوسط، وبلغ نصيب العراق منه 98 عملية. هذه البيانات تشير إذن إلى أن سوريا أصبحت في المركز الثاني على قائمة العمليات الانتحارية.
[2] في 18 كانون الثاني / يناير 2014 قتل خمسة أطفال إخوة جراء سقوط قذيفة صاروخية في عرسال. وقد وجهت أصابع الاتهام إلى حزب الله، ولكننا لا نملك تأكيدا لذلك.
[3] انظر النشرة الإخبارية الصادرة في 27 تشرين الثاني / نوفمبر والمعنونة "تنفيذ عملية انتحارية مركبة ومتهددة المصابين ضد السفارة الإيرانية في بيروت يعكس تعاظم القدرات التنفيذية لكتائب عبد الله عزام".
[4] انظر دراستنا (باللغة الإنجليزية) حول تعميق دور حزب الله في الحرب الأهلية السورية في أواخر سنة 2013 والخسائر الفادحة التي تكبدها، وذلك على الرابط التالي: http://www.terrorism-info.org.il/Data/articles/Art_20605/E_206_13_110212359.pdf
[5] ومن أحدث الدلائل على وجود نية لإيجاد روابط عملياتية بين تنظيم الجهاد العالمي في إسرائيل وبين عناصر تعمل في سوريا قضية الكشف عن ثلاثة أعضاء في تنظيم محسوب على الجهاد العالمي في أواخر كانون الأول / ديسمبر 2013. وقد كان اثنان من أعضاء التنظيم من سكان شرقي القدس وتلقيا أوامرهما من مسؤول في قطاع غزة، وعن طريق الإنترنت أساسا. وقد خطط التنظيم فيما خطط له، لتنفيذ عملية انتحارية مزدوجة في "مباني الأمة" في القدس ومقر السفارة الأمريكية بتل أبيب. وكان أحد أعضاء التنظيم سيتوجه إلى سوريا عبر تركيا لتلقي التدريبات العسكرية وتنسيق تنفيذ الاعتداءين (موقع جهاز الأمن العام الإسرائيلي وتقرير لصحيفة "هآرتس"، 23 كانون الثاني / يناير 2014).